نظم
العلامة العالم العامل الفاضل الكامل المولى
خضر بك بن جلال الدين الرومي
رحمه الله تعالى
الحمدُ لله عَالي الوَصفِ والشَّانِ=مُنزَّهِ الحكم ِعن آثَارِ بُطْلانِ
مِنهُ الصَّلاةُ عَلى مُبدِي شَرَائِعِهِ= نبيِّنَا المصطفى من نَسْلِ عَدنَانِ
والآلِ والصَّحبِ ثمَّ التَّابِعِينَ لهُم= ما جادت السحب للمرعى بتهتان
هذي عَقَائدُ عَبدٍ مُذْنِبٍ جَانِ= يوصي بها كلَّ موصوف بإيمان
أعدَّها ذُخرَ يومٍ لا ارتيابَ به= مستودعاً عند ذي عدل وإحسان
إلـهُنَا وَاجِبٌ لولاه ما انقطَعَتْ= آحاد سلسلة حفت بإمكان
كذا الحوادثُ والأركانُ شاهِدَةٌ= على وجود قديم صانع بان
خَلْقُ الخلائقِ خلواً عن مخالفةٍ= إذ لا توارد، ينفي القول بالثاني
وذَاتُهُ ليس مثلَ الممكنات فما= حكما الوجوب مع الإمكان سيان
نَفَى غِنَاهُ عَنِ الأغْيَارِ كَثرته= لحاجة الكل فيما فيه جزآن
وليس كلاً ولا جزأ ولا عرضاً= ولا محلاً لأعراض وأكوان
ولا تقل جوهراً أيا عنيت به= ونزه الاسم عن إيهام نقصان
بكل شيء محيط لا اتحاد له= ولا حلول لدى أصحاب عرفان
ولا اتصال بأحياز وأوقات= ولا اتصاف بأشكال وألوان
حي سميع بصير عالم شاء= ذو قدرة وكلام غير ألحان
وكثرة القدماء غير لازمة= إذ لم تكن غيرها في عين يقظان
نفي التسلسل جمعاً أو معاقبة= أفاد قدرة ذي صنع وإتقان
كما استدلَّ على علم المؤثر من= إتقان أفعاله أربابُ إيقان
وعلمه بالزمانيات قاطبة= لا يقتضي فيه توقيتاً بأزمان
وليس يخرج شيء عن إرادته= لكنه قط لا يرضى بكفران
ليس الإرادة أمراً وابتغاء بل= وصفٌ يخصص مقدوراً برجحان
يجوز ترجيح ما ينفى ترجحه= كفي إناءين من ماء لعطشان
تكوينه أزلي لا مكان له= لكن مكوَّنه في الوقت والآن
كلامنا صفة نفسية فبها= نمتاز عن أخرس أو عجم حيوان
فليس علماً بشيء أو إرادته= لفرقها بافتراق ضد وجدان
لا يقتضي خلقَ نفسي وكثرتَه= خلقُ اللغات كإنجيل وقرآن
الشرع ليس بفرع للكلام لما= يكفي لإثباته إعجاز قرآن
ورؤية الله بالأبصار واقعة= للمؤمنين ولكن لا لعميان
يرى الهوية لا من جوهريته= أو كونه عرضاً أو سبق فقدان
حقيقة الحق لم تعقل بعالمنا= لكن ترددهم في دار رضوان
الله خالق أفعال العباد وما= يظن توليده من فعل إنسان
هاد مضل حقيقي وإن نسبا= على المجاز إلى رسل وشيطان
الحسن والقبح شرعيان لكنا= نقول بالعقل أيضاً قد ينالان
وللعباد اختيار وهو كسبهم= فيوصفون بطوع أو بعصيان
لا دخل للعقل في حكم الإله وفي= تجويز تعليله في البعض قولان
ولا يكلف عبد فوق طاقته= لكنه لا لعقل عاجز عان
لو كان أصلح فرضاً ما ابتلى أحداً= بالكفر والفقر والبلوى وأحزان
والرزق ما سيق للحيوان يأكله= محرماً أو مباحاً فهو قسمان
ولا يقدم حيوان على أجل= وإن تقطع في أنياب غيلان
كل العناصر والأفلاك حادثة= وجزؤها جوهر فرد ببرهان
للعلو والسفل ربط لا بتعليل= إذ قد يدور مدار بل مضافان
اللهُ أرْسَلَ فينا بالهُدَى رُسلاً= مصدَّقين بآياتٍ وتبيانِ
لحاجة الخلق في حكم العقول إلى= متمم وكذا في علم أديان
لولاه لم ينتظم أمر المعاش ولا= أمر المعاد لإيثار وعدوان
محمد أفضل الرسل الذي سمعوا= تصديقه من جمادات وذؤبان
وأمره بين في حالتيه لمن= كانت له في اعتبار الحال عينان
إخباره عن غيوب كالحكاية عن= بلوى تصيب بعثمان بن عفان
وما جرى بين كسرى والصحابة من= إنفاق كنز ومن تخريب بلدان
وغزوة البحر منهم مرتين وأن= يكون مع أوليهم بنت ملحان
وشقه قمراً والكشف إذ سألوا= غداة معراجه عن حال ركبان
والرمي بالبدر بالحصباء أعينهم= والرد في أحد عين ابن نعمان
وكم رووا بأسانيد مصححة= أمثال ما قد روى عنه الصحيحان
دلالة الصدق بين الكل مشترك= تواترت مثل معنى شعر حسان
وأعظم الآي قرآن لما عجزوا= عن سورة منه مع صرف لأذهان
معراجه واقع يقظان في بدن= بآية ومشاهير ووحدان
وقوعه كان تكراراً وقد دفعوا= به تعارض ما دل الحديثان
ودينه ناسخ الأديان أجمعها= ولم يكن نسخها جهلاً لديان
وربما نص لكن ما رووا أحداً= بنسخ توراته موسى بن عمران
الأنبياء بريئون اتفاقاً عن= كفر وكذب وعن فسق بإعلان
وعن كبائر عمداً عند أكثرنا= وخسة مثل تطفيف بأوزان
يؤول القصص الحاكي لذنبهم= بأنه قبل وحي أو بنسيان
وللنبيين رجحان على ملك= تعليم علم وتكريم يدلان
وللولي كرامات كما نقلت= عن آصف وأبي الدرداء سلمان
وصد سارية الفاروق عن جبل= والبعد بينهما في القدر شهران
فضل النبي جلي بل نبوته = فاقت ولايته في قول إخوان
وأفضل الناس بعد الأنبياء أبو= بكر لتصديقه من قبل أقران
وبعده عمر الفاروق إذ هو في= إظهار دين رسول خير معوان
وبعد ذلك أفتى مشايخنا= أن لا تردد في تفضيل عثمان
وبعد ذلك علي وهو أقربهم= إلى النبي وأحظى بين أختان
الحشر والبدء إمكاناً وتمييزاً= ونفي مدخل أوقات سويان
بل لا احتياج إلى قول بصحة أن= يعاد ما عدمت في حشر أبدان
أجزاء أصلية كلا وإن أكلت= فتلك لم تك أجزاء جثمان
وواقع كل ما نص الصدوق به= من ممكن كصراط أو كميزان
وكالحساب وأهوال القيامة أو= كحوض سيدنا فيها وكيزان
ومن حياة قبور ما يذاق به= لذات نعماء أو آلام ديدان
عقوبة الذنب عدل غير واجبة= كذا المثوبة من إحسان منان
وكيفَ تلزمه طاعاتنا عوضاً= ونعمةُ الوقت تربو كل شكران
في العقل غفران كفر جائز لكن= أتى لها نص تخليد بنيران
أعدت الجنة استدعى تكونها= ونقل آدم منها بعد إسكان
نعيمُها أبدي لا زوالَ له= وأكلها دائم لا أنه فان
أهل الكبائر غير التائبين لهم= رجاء عفو برغم الحاسد الشاني
إذ لا عقوبة تعفى عنده معها= ولم يقيد بها آيات غفران
ولا تخص أحاديث الشفاعة ما= ليست تعم لأوقات وأعيان
وللرسول بل الأخيار كلهم= شفاعة لعصيان عند رحمن
وللدعاء لأموات وأحياء= منافع شوهدت في بعض أحيان
وليس يدخل في الإيمان أعمال= بل ليس ذا غير تصديق وإذعان
والشرعُ قد عدَّ شدَّ المرء زناراً= دليلَ جحدٍ كتعظيم لأوثانِ
ولا يغاير إيمان وإسلام= ولم يكن لهما في الشرع حكمان
وللمقلد إيمان يثاب به= وإن يكن عاصياً في ترك إيقان
لا عذر من عاقل في جهل خالقه= إن نال مدة فكر عند نعمان
وليس مرتبة للعبد مسقطة= تكليفه كمجانين وصبيان
قدْ يخطئُ المرءُ في فتواه مجتهداً= كحُكمِ داودَ مع فتيا سليمانِ
لا ينبغي الشك في الإيمان من أحدٍ= وإن نوى منجياً في يوم هجران
ولا عقابَ بترك اللعن من أحد= في حق إبليس وهو الكافر الجاني
فلعن يزيدٍ يزيد منه مفسدة= فاسكت ولا ترض لوماً باسم لعان
نصب الإمام علينا واجب سمعاً= لدفع مظنون إضرار وطغيان
إمامنا بإشارات الرسول أبو= بكر كما أجمع القاصي مع الداني
وبعد نص أبو بكر لفاروق= وبعده صار شورى بين أركان
فسلمت خمسة منهم لسادسهم= فبايعوه بطوع بين أعيان
وذاك عثمان ثم القوم جلتهم= قد بايعوا بعلي عقد رضوان
لا نص فيه جلياً بل قد اجتهدوا= لكن معاوية المخطئ كمروان
واذكر صحاب رسول الله قاطبة= بالبر والخير واهجر طعن طعان
وكلهم بذلوا للدين مهجتهم = وللشريعة كانوا خير أعوان
يا رب لا تسلبني حبهم أبداً= من قال: آمين يأمن سلب إيمان
ودام نضرة من بالخير يذكرني= ما اخضر وجه الربى من قطر نيسان